الطريق البديل

فكر الخوارج في ميزان أهل السنة (2) بقلم: د. عصام عبد ربه مشاحيت عضو الجمعية الفقهية السعودية

عضو الجمعية العلمية السعودية لعلوم العقيدة عضو الهيئة الاستشارية العليا منصة أريد للعلماء والخبراء والباحثين الناطقين بالعربية

0 687

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه أجمعين.. أما بعد: تكلمنا فيما سبق عن تعريف الخوارج ونشأتهم، وذمهم والتحذير منهم، وبعضا من الصفات التي اتصفوا بها، وفي هذه الأسطر نتحدث عن بعضٍ من الآراء الاعتقادية للخوارج، وبعض سماتهم ونزعاتهم في الوقت الحاضر فنقول وبالله التوفيق:
أولا: عقائد الخوارج:
لا شك أن هناك عقائد خاصة بفرقة الخوارج، خالفوا فيها الكتاب والسنة من هذه العقائد:
1- تكفير صاحب الكبيرة: إن الخوارج يكفرون مرتكب الكبيرة، ويحكمون بخلوده في النار، وقد استدلوا على معتقدهم ذلك بأدلة، منها قوله تعالى: “بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ” [البقرة: 81]. فقد استدلوا بهذه الآية على تخليد أصحاب المعاصي في النار، وقالوا: إنه لا أمل للعاصي الذي يموت على معصيته في رحمة الله. فزعموا أن الخطيئة تحيط بالإنسان، فلا يبقى له معها حسنة مقبولة، حتى الإيمان فإنها تذهبه. ولكن الأمر عكس ما ذهبوا إليه تمامًا، وهذه الآية نفسها تردّ مذهبهم، فقد دلت على أن من أحاطت به خطيئته فإنه يخلد في النار، وليس هناك خطيئة تحيط بالإنسان وتحبط أعماله ويخلد بسببها في النار إلا الكفر والشرك بالله. ويؤيد هذا أن تلك الآية نزلت في اليهود، وهم قد أشركوا بالله وحادوا عن سبيله.
ويمكن أن نرد على الخوارج في تكفيرهم لصاحب الكبيرة، من وجهين:
الوجه الأول: أن مرتكب الكبيرة لو كان كافرا لكان حكمه حكم غيره ممن كفر بعد إيمانه، وهو أن يكون مرتدا يجب قتله، لقول النبي – صلى الله عليه وسلم -: ” لا يحل قتل امرئ مسلم، إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة”. أخرجه البخاري (6878)، ومسلم (1676) من حديث ابن مسعود – رضي الله عنه -.
فهذا الحديث وغيره من أدلة حكم المرتد، تفيد أن كل من كفر بعد إيمانه فحكمه القتل ، وبالنظر لنصوص الكتاب والسنة والإجماع نجدها تدل على أن الزاني والسارق والقاذف لا يقتل ، بل يقام عليه الحد ، قال تعالى : ” الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين” النور : 2 ، وقال تعالى في حكم السارق : ” والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله والله عزيز حكيم ” المائدة : 38 . ، وكذلك لو كان صاحب الكبيرة كافرا لوجب التفريق بينه وبين زوجته المؤمنة والمرأة كذلك ، ولكن النبي لم يفرق بين من فعل معصية وبين زوجته ، وكذلك الصحابة والتابعون من بعدهم فثبت يقينا أنه غير كافر.
الوجه الثاني: أن الله – عز وجل – سمى أهل الكبائر مؤمنين مع ارتكابهم لها، كما في قوله تعالى: ” وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون ” الحجرات: 9، 10 .
قال ابن كثير – رحمه الله -: فسماهم مؤمنين مع الاقتتال، وبهذا استدل البخاري – رحمه الله – وغيره على أنه لا يخرج عن الإيمان بالمعصية وإن عظمت، لا كما يقوله الخوارج ومن تابعهم من المعتزلة ونحوهم. (تفسير القرآن العظيم لابن كثير 4 /211).
2- الخروج على الحكام إذا خالفوا منهجهم وفهمهم للدين: رأى الخوارج الخروج على أئمة المسلمين عند أتفه الأسباب، وقد فعلوا ذلك مع أمير المؤمنين علي – رضى الله عنه -، فسفكوا الدماء، وقطعوا السبل، وضيعوا الحقوق، وسعوا في إضعاف المسلمين حتى تكالبت عليهم الأعداء.
ولا شك أن الشريعة بينت أن من حقوق الإمام السمع والطاعة في غير معصية الله ، فقد أوجب الشارع الحكيم طاعة الإمام ما لم يأمر بمعصية ، فإن أمر بمعصية الله فلا يجوز طاعته فيها ، ولا إعانته عليها ، ويجب أن يعان على طاعة الله وأن يستعان به عليها ما أمكن ذلك ، فيكون موقف المسلم النصيحة لولاة أمور المسلمين ، لقوله صلى الله عليه وسلم : ” الدين النصيحة ، الدين النصيحة ، الدين النصيحة ، قلنا : لمن يا رسول الله ؟ ، قال : لله ، ولكتابه ولرسوله ، ولأئمة المسلمين وعامتهم” أخرجه مسلم .
وقد وردت الأدلة في الصبر على أذى الحكام وظلمهم، منها على سبيل الذكر لا الحصر: ما ثبت من حديث سلمة بن يزيد الجعفي – رضي الله عنه – أنه سأل النبي – صلى الله عليه وسلم – فقال: يا نبي الله، أرأيت إن قامت علينا أمراء، يسألوننا حقَّهم، ويمنعوننا حقنا، فما تأمرنا؟ فأعرض عنه، ثم سأله، فأعرض عنه، ثم سأله في الثانية أو الثالثة، فجذبه الأشعث بن قيس، فقال له رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ” اسمعوا وأطيعوا، فإنما عليهم ما حُمِّلوا، وعليكم ما حُمِّلتم “. أخرجه مسلم (1846).
قال الإمام النووي – رحمه الله – في شرحه لصحيح مسلم: فيه الحث على السمع والطاعة، وإن كان المتولي ظالما عسوفا، فيعطَى حقه من الطاعة، ولا يُخرَج عليه ولا يُخلَع؛ بل يتضرع إلى الله تعالى في كشف أذاه، ودفع شره وإصلاحه. (شرح صحيح مسلم للنووي 12 / 474).
وحديث حذيفة بن اليمان – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ” يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهدأي، ولا يستنون بسنتي، وسيقوم فيهم رجال، قلوبهم قلوب الشياطين، في جثمان إنس “. قلتُ: كيف أصنع يا رسول الله، إن أدركت ذلك ؟! قال: ” تسمع وتطيع للأمير، وإن ضَرب ظهرك، وأخذ مالك، فاسمع وأطع “. أخرجه مسلم في صحيحه (1847).
3- وقد خالفت الخوارج ما كان عليه جمهور المسلمين من اشتراط النسب القرشي في الإمام، وقالوا: إنه لا خصوصية لقريش فيها ولا مزية لهم عن سواهم، بل كل من صار أهلا لها جاز توليته من دون أي نظر إلى نسبه، وقد احتجوا لمذهبهم بما يلي:
قالوا: لم يجعل الله النبوة في قوم خاصين، فكيف يجعل الإمامة كذلك؟
وردا على ذلك أقول: لا حجة لهم في ذلك؛ لأن الله – عز وجل – يصطفي للنبوة والرسالة أصلح الناس لها، والناس لا يستطيعون القطع على أن فلانا أصلح من غيره، ولا يقارن اختيار المخلوق مع اختيار الخالق، وأما المزية لقريش فهي على جهة العموم لما كانت تحتله من المكانة الدينية والاجتماعية في قلوب الناس. (فكر الخوارج والشيعة لعلي الصلابي 56، 57).
قالوا: أن القرآن لا يدل على ذلك لقول الله تعالى: ” إن أكرمكم عند الله أتقاكم ” الحجرات: 13. وغيرها من النصوص.
وردا على ذلك أقول: أن المراد بالآية وغيرها من النصوص الواردة في المفاضلة، أن المفاضلة هنا بين الناس عامة، بغض النظر عن الإمامة؛ لأن دلالة الآية عامة
قالوا: لم يثبت الأنصار القرشية في الإمامة، ولو أثبتوها لما طالبوا بالإمامة ولرد عليهم المهاجرون بها.
وردا على ذلك أقول: أن هذا غير صحيح، بل الصحيح أنهم أذعنوا لذلك وحصل الإجماع على أحقية قريش في الخلافة، ورجعوا للحق طائعين، بعد أن قالت الأنصار: منا أمير ومنكم أمير، وبعد أن جرد الحباب بن المنذر سيفه وقال: أنا جذيلها المحكك، وعذيقها المرجب؟ … ثم بايعوا أبا بكر – رضي الله عنه – واجتمعوا على إمامته، واتفقوا على خلافته، وانقادوا لطاعته.
قالوا: أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قد ولى على الأمم من غير قريش والولايات والإمارات من الإمارة العظمى، فما جاز فيها جاز في فروعها، وما امتنع فيها امتنع في فروعها.
وردا على ذلك أقول: لا حجة لهم في هذا لأنه ليس في الإمامة العظمى، ولا نسلم لهم أن ما جاز في الفرع جاز في الأصل.
4- إثبات إمامة الصِّدِّيق والفاروق وتكفير عثمان وعلي – رضي الله عنهما-: فهم يعتقدون أن إمامة أبي بكر وعمر إمامة شرعية لا شك في صحتها ولا ريب عندهم في شرعيتها، وأن إمامتهما كانت برضا المؤمنين ورغبتهم وأنهما سارا على الطريق المستقيم الذي أمر الله به لم يغيِّرا ولم يبدلا حتى توفهما الله تعالى. وهذا المعتقد للخوارج تجاه الشيخين حالفهم فيه السداد والصواب، لكنهم هلكوا فيمن بعدهما؛ حيث قادهم الشيطان وأخرجهم عن الحق والصواب في اعتقادهم في عثمان وعلي -رضي الله عنهما- فلقد حملهم على إنكار إمامة عثمان في المدة التي نقم عليه أعداؤه فيها، كما أنكروا إمامة عليٍّ أيضًا بعد التحكيم، بل أدى بهم سوء معتقدهم إلى تكفيرهما، وتكفير طلحة والزبير ومعاوية وعمرو بن العاص وأبي موسى الأشعري وعبد الله بن عباس، وأصحاب الجمل وصفين.
وقد دوّن أهل العلم هذا المعتقد السيِّئ عنهم في كتبهم، فقد قال أبو الحسن الأشعري رحمه الله: “والخوارج بأسرها يثبتون إمامة أبي بكر وعمر وينكرون إمامة عثمان -رضوان الله عنهم – في وقت الأحداث التي نقم عليه من أجلها، ويقولون بإمامة عليٍّ قبل أن يحكم، وينكرون إمامته لما أجاب إلى التحكيم، ويكفرون معاوية وعمرو بن العاص وأبا موسى الأشعري”.
5- من عقائدهم وأفكارهم: إسقاط حد الرجم عن الزاني، وإسقاط حد القذف عمن قذف المحصنين من الرجال دون من قذف المحصنات من النساء.
6- ومن عقائدهم وأفكارهم: إنكار بعضهم سورة يوسف، وهو من أقبح أقوالهم وأشنعها، وهذا القول ينسب إلى العجاردة منهم، حيث قالوا لا يجوز أن تكون قصة العشق من القرآن!
7- ومنها أيضا: القول بوجوب قضاء الصلاة على الحائض، فخالفوا النص والإجماع.
أسباب سمات الخوارج ونزعاتهم في العصر الحديث: (مستفاد من مقال ل أ. د / ناصر العقل على شبكة طريق السنة)
قبل أن أذكر أهم أسباب سمات الخوارج ونزعاتهم في العصر الحديث، أرى أن أذكر بعضا من الأسباب العامة – التاريخية – التي غالباً ما تكون ممهدة لظهور الخوارج، أو خصالهم وسماتهم في أي زمان أو بيئة، وأهمها فيما يلي:
1- قلة الفقه في الدين، أي ضعف العلم الشرعي، أو أخذ العلم علي غير نهج سليم.
2- الغلو في الدين والتنطع، أي التشدد في الدين.
3- الغيرة غير المتزنة (العاطفة بلا علم ولا حكمة).
4- الابتعاد عن العلماء، وجفوتهم، وترك التلقي عنهم والاقتداء بهم.
5- التعالم والغرور، والتعالي على العلماء والناس.
6- حداثة السن، وقلة التجارب.
7- شيوع المنكرات والفساد والظلم في المجتمع، وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو التقصير فيه.
8- النقمة على الواقع وأهله.
9- تحدي الخصوم، واستفزازهم للشباب والدعاة (المكر الكبَّار)، وكيدهم للدين وأهله.
10- قلة الصبر، وضعف الحكمة في الدعوة.
11- أخذ العلم عن غير أهله، ومن غير أهله، أو على غير منهج سليم.
إذا توافرت هذه الأسباب ونحوها أو أكثرها، مهد هذا لظهور الخوارج، أو بعض سماتهم وخصالهم، في أي زمان، وأي مكان، وأي مجتمع؛ وبخاصة إذا أضيف إلى هذه الأسباب تقصير الولاة، وغفلة العلماء وطلاب العلم والدعاة المتصدرين، عن معالجة هذه السمات وأسبابها في وقت مبكر.
أما عن أسباب ظهور سمات الخوارج في عصرنا الحاضر يمكن أن نلخصها في الآتي:
إعراض أكثر المسلمين عن دينهم، عقيدة وشريعة وأخلاقاً إعراضاً لم يحدث مثله في تاريخ الإسلام؛ مما أوقعهم في ضنك العيش وفي حياة الشقاء كما قال- تعالى-: ” ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكاً “سورة طه، الآية: 124 .
شيوع الظلم بشتى صوره وأشكاله، ظلم الأفراد، وظلم الشعوب، وظلم الولاة وجورهم، وظلم الناس بعضهم لبعض، مما ينافي أعظم مقاصد الشريعة، وما أمر الله به وأمر به رسوله – صلى الله عليه وسلم – من تحقيق العدل ونفي الظلم.
تحكم الكافرين (من اليهود والنصارى والملحدين والوثنيين)، في مصالح المسلمين، وتدخلهم في شؤون البلاد الإسلامية، ومصائر شعوبها عبر الاحتلال، والغزو الفكري والإعلامي والاقتصادي، وتحت ستار المصالح المشتركة، أو المنظمات الدولية، ونحو ذلك مما تداعت به الأمم علينا من كل حدب وصوب، بين طامع وكائد وحاسد.
محاربة التمسك بالدين والعمل بالسنن، والتضييق على الصالحين والمتمسكين بالسنة، والعلماء والآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، وبالمقابل التمكين لأهل الفسق والفجور والإلحاد، مما يعد أعظم استفزاز لذوي الغيرة والاستقامة.
الجهل بالعلم الشرعي وقلة الفقه في الدين، فالمتأمل لواقع أكثر أصحاب التوجهات التي يميل أصحابها إلى سمات الخوارج يجد أنهم يتميزون بالجهل وضعف الفقه في الدين، وضحالة الحصيلة في العلوم الشرعية، فحين يتصدون للأمور الكبار والمصالح العظمى يكثر منهم التخبط والخلط والأحكام المتسرعة والمواقف المتشنجة.
الجفوة بين العلماء والشباب، ففي أغلب بلاد المسلمين تجد العلماء، بعلمهم وحكمتهم وفقههم وتجاربهم في معزل عن أكثر الشباب، وربما يسيئون الظن بالكثير منهم كذلك، وبالمقابل تجد الشباب بحيويتهم ونشاطهم وهمتهم بمعزل عن العلماء، وربما تكون سمعتهم في أذهان الكثيرين على غير الحقيقة، وذلك بسبب انحراف مناهج التربية لدى بعض الجماعات، وبسبب وسائل الإعلام المغرضة التي تفرق بين المؤمنين؛ مما أوقع الشباب في الأحكام والتصرفات التي لا تليق تجاه علمائهم.
الخلل في مناهج الدعوات المعاصرة، فأغلبها تربي أتباعها على مجرد أمور عاطفية وغايات دنيوية: سياسية واقتصادية ونحوها، وتحشو أذهانهم بالأفكار والمفاهيم التي لم تؤصل شرعاً، والتي تؤدي إلى التصادم مع المخالفين بلا حكمة. وفي الوقت نفسه تقصر في أعظم الواجبات فتنسى الغايات الكبرى في الدعوة، من غرس العقيدة السليمة والفقه في دين الله تعالى، والتجرد من الهوى والعصبية.
ضيق العطن وقصر النظر وقلة الصبر وضعف الحكمة، ونحو ذلك مما هو موجود لدى بعض الشباب. فإذا أضيف إلى هذه الخصال ما ذكرته في الأسباب الأخرى؛ من سوء الأحوال، وشيوع الفساد، والإعراض عن دين الله، والظلم، ومحاربة التدين – أدى ذلك إلى الغلو في الأحكام والمواقف الذي هو من أكبر سمات الخوارج.
تصدر حدثاء الأسنان وسفهاء الأحلام، وأشباههم للدعوة بلا علم ولا فقه، فاتخذ بعض الشباب منهم رؤساء جهالاً، فأفتوا بغير علم، حكموا في الأمور بلا فقه، وواجهوا الأحداث الجسام بلا تجربة ولا رأي ولا رجوع إلى أهل العلم والفقه والتجربة والرأي، بل كثير منهم يستنقص العلماء والمشايخ ولا يعرف لهم قدرهم، وإذا أفتى بعض المشايخ على غير هواه ومذهبه، بخلاف موقفه، أخذ يلمزهم إما بالقصور أو التقصير، أو بالجبن أو المداهنة، أو بالسذاجة وقلة الوعي والإدراك! ونحو ذلك مما يحصل بإشاعته الفرقة والفساد العظيم وغرس الغل على العلماء والحط من قدرهم، ومن اعتبارهم، وغير ذلك مما يعود على المسلمين بالضرر البالغ في دينهم ودنياهم.
التعالم والغرور، وأعني بذلك أنه من أسباب ظهور سمات الخوارج في بعض فئات الأمة اليوم ادعاء العلم، في حين أنك تجد أحدهم لا يعرف بدهيات العلم الشرعي والأحكام وقواعد الدين، أو قد يكون عنده علم قليل بلا أصول ولا ضوابط ولا فقه ولا رأي سديد، ويظن أنه بعلمه القليل وفهمه السقيم قد حاز علوم الأولين والآخرين، فيستقل بغروره عن العلماء، عن مواصلة طلب العلم فَيَهلك بغروره وَيُهلك. وهكذا كان الخوارج الأولون يدَّعون العلم والاجتهاد ويتطاولون على العلماء، وهم من أجهل الناس.
التشدد في الدين والتنطع، والخروج عن منهج الاعتدال في الدين، الذي كان عليه النبي – صلى الله عليه وسلم -؛ حيث حذر من ذلك في الحديث الذي رواه أبو هريرة – رضى الله عنه– قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ” إن هذا الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه ” صحيح البخاري – كتاب الإيمان، باب: الدين يسر – فتح الباري 1/93 .
شدة الغيرة وقوة العاطفة، لدى فئات من الشباب والمثقفين وغيرهم، بلا علم ولا فقه ولا حكمة، مع العلم أن الغيرة على محارم الله وعلى دين الله أمر محمود شرعاً، لكن ذلك مشروط بالحكمة والفقه والبصيرة ومراعاة المصالح ودرء المفاسد. فإذا فقدت هذه الشروط أدى ذلك إلى الغلو والتنطع والشدة والعنف في معالجة الأمور، كما هو من خصال الخوارج، وهذا مما لا يستقيم به للمسلمين أمر لا في دينهم ولا في دنياهم.
فساد الإعلام: الإعلام في العصر الحديث صار – غالباً – مطية الشيطان إلى كل ضلالة وبدعة ورذيلة، فإن وسائل الإعلام في أكثر البلاد الإسلامية غالباً ما تسخر في سبيل الشيطان، وهي من خيله ورجله في الدعوة إلى الضلالة ونشر البدعة والزندقة وترويج الرذيلة والفساد، وهتك الفضيلة، وحرب التدين وأهله، وبالمقابل فإن إسهام الإعلام في نشر الحق والفضيلة قليل وباهت جداً، ولا شك أن هذا الوضع منكر عظيم ومكر كبّار، ويعد أعظم استفزاز يثير غيرة كل مؤمن وحفيظة كل مسلم، فإذا اقترن ذلك بشيء من قلة العلم والحلم والصبر والحكمة، وغياب التوجيه الشرعي السليم، فإنه يؤدي بالضرورة إلى الصلف والقسوة في الأحكام والتعامل، وإلى التشاؤم واليأس عند البعض ؛ لذا فإن علاج هذه الظواهر لن يكون حاسماً إلا بإزالة أسبابها.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.