“وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ” بقلم ا.د٠ مفيدة إبراهيم على عميد كليات الدراسات الإسلامية والعربية

0 89

لقد حرَّم الإسلام اختَلاَق أخبار لا أساس لها من الواقع, وتدوير معلومات مضلِّلة ونشرها وترويجها، باعتماد المبالغة والتهويل في سردها، وهذه الأخبار في الغالب تكون ذا طابعٍ يُثير الفتنة ويُحْدِث البلبلة بين الناس؛ وذلك بهدف التأثير النفسي في الرأي العامّ تحقيقًا لأهداف معينة، على نطاق خاص أو عام , وتوعَّد الإسلام فاعل ذلك بالعقاب الأليم في الدنيا والآخرة.

قال تعالى: ” إنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ” النور: 19، وهذا الوعيد الشديد فيمن أَحَبَّ وأراد أن تشيع الفاحشة بين المسلمين، فكيف الحال بمن يعمل على نشر الشائعات بالفعل! كما أشارت النصوص الشرعية إلى أن نشر الشائعات من شأن المنافقين وضعاف النفوس، وداخلٌ في نطاق الكذب،وهو محرَّم شرعًا.

ولقد أرسى الإسلام قاعدة جليلة وعظيمة لمكافحة الإشاعة بجميع أنواعها، وإبطال مفعولها بسرعة قبل أن تتمكن في المجتمع، وهذه القاعدة هي: التكذيب الفوري للإشاعة اعتمادا على سوء الظن بمصدرها وحسن الظن بالمؤمنين, والشائعات من أخطر الحروب المعنوية، والأوبئة النفسية، بل من أشد الأسلحة تدميراً، وأعظمها وقعاً وتأثيراً.

وقد اتخذ الإسلام موقفاً حاسماً حازماً قوياً من الشائعات ومروجيها, لما يترتب عنها من آثار سلبية تزلزل كيان المجتمع وتؤثر على تماسكه وتلاحم أبنائه, وسلامة لحمته, ولإشاعة الفوضى داخل الصف بغية تفكيكه وإثارة القلاقل داخله, وجاءت مئات الآيات في القرآن الكريم لتلاحق هذه الفئة في جهرها وسرها، وتبين جسيم خطرها, يقول تعالى: “لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ” الأحزاب:60
وهذا التحذير للمرجفين في المدينة خاصة, والمسلمين عامة, وهم الذين يروجون الأخبار الكاذبة, ولا يتركون فرصة لإثارة الفتن والمشكلات بين المؤمنين إلا استغلوها، لقوله تعالى: “لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ ” التوبة:47, وعن رسولنا الكريم قال: «ألا أُخبِركم بشراركم»؟! قالوا: بلى يا رسول الله، قال: «المشّاؤون بالنميمة، المفسدون بين الأحبة، الباغون للبرآء العنت».

وقوله صلى الله عليه وسلم: “كفى بالمرء إثما أن يحدث بكل ما سمع “, ولقد أصبحت الشائعات في وقتنا الحاضر الذي يشهد تقنيات عالية في كل وسائل الاتصال أكثر رواجا وأبلغ تأثيرا في كل ما يعوق الحق عن مواصلة طريقه خاصة في أيام الأزمات والحروب، و تعد من أبرز أسلحة الحرب النفسية، و أخطرها لدقة الظرف الذي تعمل فيه.

و يحسن صناعة الإشاعات كل من يريد صد الناس عن الحق والحقيقة والصواب أو ليثبط حماسة وهمم أصحاب الحقوق أو لما هو أبشع من ذلك أن تشيع الفاحشة في المجتمعات , والعمل على نشر الاضطراب وعدم الثقة بين كل رئيس ومن يقع تحته من مرؤوسيه لكونها اختلاق لا أساس له من الواقع ٠

والشائعات جريمة تهدد أمن المجتمع وتسعى لتدميره وصاحبها مجرم في حق دينه ومجتمعه وأمته , فالواجب الحذر الشديد من نشر الإشاعات لما فيها من ظلم لجميع العباد، ونحن مطالبون جميعا في شتى مجالات حياتنا المختلفة أن كل في مجاله للقضاء على هذه الظاهرة التي لها أثارها المدمرة ضد أمن وأمان الأمة واستقرار المجتمع
ولذا علينا أن نحفظُ الألسنة، ونعلَمُ أنَّ كَثْرةَ الكلامِ تُكْثِرُ مِن سَقَطاتِ اللِّسانِ، والمُسلِمُ مأمورٌ بالصِّدْقِ في حديثِهِ وكلامِهِ، والتَّثبُّتِ من كلِّ ما يَقولُهُ أو يَنقُلُهُ، حتَّى لا يَقَعَ في الكَذِبِ.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط