منهج الإسلام في المحافظة على الأعراض (4) د. عصام عبد ربه مشاحيت أستاذ الدعوة والثقافة الإسلامية

0 90

 

مازال الحديث موصولا حول المنهج الوقائي في المحافظة على الأعراض، وكنا قد تحدثنا في المقال السابق حول: النهي عن التبرج والسفور والإخضاع بالقول بجميع أشكاله، والنهي عن الخلوة المحرمة، وفي هذا المقال نكمل الحديث حول المنهج الوقائي في المحافظة على الأعراض فنقول وبالله التوفيق:

3 – ما شرعه الإسلام للزوجة إذا طلقت أو مات عنها زوجها:

الزواج أمر شرعه الله, وفطر الرجل ليأنس بالمرآة وكذلك المرآة تأنس بالرجل لتحقيق غاية الله  من الخلق وهي العبادة فالزواج وسيلة ينبغي أن تعين الإنسان على العبادة.

فالزواج سكن لكلا الزوجين ينالا به رضا الله وقد حث الشرع علي الزواج في القرآن والسنة ورغبا في ذلك فقال تعالى: (  وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلًا أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ۚ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُم ۚ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ ۚ فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ ۚ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ۚ ذَٰلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنكُمْ ۚ وَأَن تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَّكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) النساء: 25 .

وقال تعالى: (وَأَنكِحُوا الْأَيَامَىٰ مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ ۚ إِن يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) النور: 32.

وقال تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) الروم: 21.

من تمام رحمته ببني آدم أن جعل أزواجهم من جنسهم، وجعل بينهم وبينهن مودة وهي المحبة، ورحمة وهي الرأفة، فإن الرجل يمسك المرأة إنما لمحبته لها أو لرحمة بها بأن يكون لها منه ولد، أو محتاجة إليه في الإنفاق أو للألفة بينهما وغير ذلك.

وتنتهي الحياة الزوجية بين الزوجين بسبب الوفاة لأحد الزوجين أو الطلاق، فما المقصود بالطلاق؟

أصل الطلاق: التخلية من الوثاق، يقال: أطلقت البعير من عقاله، وطلقته، وهو طالق وطلق بلا قيد، ومنه استعير: طلقت المرأة، نحو: خليتها فهي طالق، أي: مخلاة عن حبالة النكاح. قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ ۖ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ ۚ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ ۚ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ ۚ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَٰلِكَ أَمْرًا ) الطلاق: 1 .

ويملك الزّوج الحرّ على زوجته الحرّة ثلاث تطليقات، تبين بعدها الزّوجة منه بينونة كبرى، لا تحلّ له حتّى تنكح زوجا غيره يدخل بها، ثمّ يطلّقها أو يموت عنها، لقوله تعالى {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ} إلى قوله {فَإنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ له مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجَاً غَيرَه فَإنْ طَلَّقَها فَلا جُنَاحَ عَليهما أَنْ يَتَرَاجَعَا إنْ ظَنَّا أنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ}.

وإذا تم الطلاق شرع له أحكاما فقال تعالي: (أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ ۚ وَإِن كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّىٰ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ۚ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ۖ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُم بِمَعْرُوفٍ ۖ وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَىٰ) الطلاق: 6.

وأباح الشرع للمرآة افتداء نفسها إن خشيت الظلم من نفسها للزوج أو عليها.

كما فعلت زوجة ثابت لما رأت أن استمرارها معه لا خير فيه لا لها ولا له فشكت لرسول الله ، قال تعالى: (الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ ۖ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ۗ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَن يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ ۖ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ ۗ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا ۚ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَفَإِن طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىٰ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ ۗ فَإِن طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يَتَرَاجَعَا إِن ظَنَّا أَن يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ ۗ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) البقرة: ٢٢٩ – ٢٣٠ .

وإذا طلقت المرآة أو مات زوجها ما كان المجتمع ليتركها وحيدة تتحمل أعباء الحياة بمفردها، ولكن سرعان ما يأتيها الزوج المناسب لها وسرعان ما تستخير الله فيه وتستشير، وكتب السير والفقه والتفاسير تذخر بقصص هؤلاء الأخيار، ومن ذلك حديث الصديقة بنت الصديق – رضي الله عنهم – قالت قال رسول الله e أنا وكافل اليتيم له أو لغيره في الجنة والساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله.

وعن أبي هريرة قال رسول الله e : ” الساعي على الأرملة والمسكين كالساعي في سبيل الله وأحسبه قال كالقائم لا يفتر وكالصائم لا يفطر”.

4 – تشريع الإسلام للمحرم مع المرأة عند السفر:

لا يشك المسلم في أن كل ما أمر الله به أو رسوله e فهو مشتمل على مصالح وحِكَم كثيرة.

وهذه الحِكَم والمصالح قد تخفى على بعض الناس، وقد تظهر لآخرين.

والواجب على المسلم أن ينقاد لأمر الله تعالى فور سماعه به وإن لم يعلم حكمته ولا المصلحة المقصودة من ورائه، مع يقينه التام بأنَّ الشريعـة لا تأمر إلا بما فيه مصـالح العباد، ولا تنهى إلا عما فيه فسـادهم وضررهم.

قال تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ۗ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا) الأحزاب: ٣٦

فحال المؤمن مع أمر الله تعالى وخبره كما يقول ابن القيم: “كمالُ التسليم والانقياد لأمره، وتلقي خبره بالقَبول والتصديق، دون أن يعارضه بخيال يسميه معقولاً، أو بشبهة، أو شك، أو يقدم عليه آراء الرجال” انتهى). (“مدارج السالكين” (2/387).

قَالَ الزُّهْرِيُّ: “مِنْ اللَّهِ الرِّسَالَةُ، وَعَلَى رَسُولِ اللَّهِ e  الْبَلَاغُ ، وَعَلَيْنَا التَّسْلِيمُ” (  رواه البخاري معلقاً)

ومما شرعه الله سبحانه أنه لا يجوز للمرأة أن تسافر إلا مع محرم لها من الرجال، وذلك لقول النبي e : (لَا تُسَافِرْ الْمَرْأَةُ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَم). (رواه البخاري (1862)

ولا يشترط أن يلزمها المحرم في المدينة التي وصلت إليها، بل متى وصلا فلها أن تذهب داخل المدينة بمفردها، إذا كانت تأمن على نفسها.

وقد ذكر العلماء أن من حِكَم اشتراط وجود المحرم في السفر: حفظ المرأة وصيانتها، كما قال ابن مفلح رحمه الله في “المبدع” (3/101): “المقصود بالمحرَم: حفظ المرأة” انتهى.

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: “والحكمة في منع المرأة من السفر بدون محرم: صونُ المرأة عن الشر والفساد، وحمايتها من أهل الفجور والفسق” انتهى ” (مجموع الفتاوى والرسائل” (24/258).)

فالمحرم في السفر يحوط المرأة ويحميها، ويرعاها ويقوم على شؤونها، فالسفر مظنة التعب والمشقة، والمرأة لضعفها تحتاج لمن يؤازرها ويقف إلى جوارها.

فلو مرضت المرأة في السفر، وليس عندها أحد من محارمها، فمن الذي يحملها، ومن الذي يبيت بجوارها، ومن الذي يعتني بها؟

فالمحرم صيانة للمرأة، لأن المرأة بطبيعتها ضعيفة لا تقوى على مقاومة ضعاف النفوس الذين يستغلون انفرادها فيتعرضون لها بالمضايقات والمعاكسات، وخاصة إذا جلس بجوارها في الطائرة أو الحافلة أو القطار من لا يخاف الله، ولا يتقيه.

فإذا كان مع المرأة محرمها (زوجها أو غيره) لم يجرؤ أحد من أهل الفساد على التعرض لها، ولا يخفى عليك تعرض النساء للتحرش في شتى الأماكن والبلاد، فلو كان معها محرمها، فهل تظنين أنه سيقع بها ما وقع؟

قال الهيثم بن عدي: قدمت امرأة مكة وكانت من أجمل النساء، فبينا عمر بن أبي ربيعة يطوف إذ نظر إليها فوقعت في قلبه، فدنا منها فكلمها، فلم تلتفت إليه.

فلما كان في الليلة الثانية جعل يطلبها حتى أصابها، فقالت له: إليك عني يا هذا، فإنك في حرم الله وفي أيام عظيمة الحُرمة.

فألح عليها يكلمها حتى خافت أن يُشهرها.

فلما كان في الليلة الأخرى قالت لأخيها: اخرج معي يا أخي فأرني المناسك فإني لست أعرفها، فأقبلت وهو معها.

فلما رآها عمرو أراد أن يعرض لها، فنظر إلى أخيها معها فعدل عنها.

فتمثلت المرأة بقول الشاعر:

          تَعْدُو الذئابُ على مَنْ لا كِلاَبَ له … وتَتّقي صَوْلَةَ المُسْتأسِدِ الحامي

وقد حُدث أمير المؤمنين المنصور العباسي بهذا الخبر فقال: وددت أنه لم تبق فتاة من قريش في خدرها إلا سمعت بهذا الحديث. (ينظر: “عيون الأخبار” (1/404))

بل حتى عند دخول المرأة على الطبيب إذا اضطرت لذلك، يخبر أحد الأطباء الصادقين عن نفسه فيقول: إن كلامه مع المرأة التي تدخل عليه وليس معها محرم يختلف عن كلامه مع التي تدخل عليه ومعها محرمها.

فنأمل أن تكون الحكمة من وجود محرم مع المرأة في السفر ليحفظها ويرعاها قد اتضحت لك.

وتقصير بعض الرجال في القيام بواجبهم، أو وجود بعض الحالات التي لا يتبين فيها وجه المصلحة من وجود المحرم بشكل ظاهر، لا يغير من الحكم شيئاً؛ لأن العبرة بالغالب العام من أحوال الناس لا القليل النادر.

أقف عند هذا الحدّ مخافة السآمة والملل من جانب القارئ الكريم، وأكمل في مقال قادم بمشيئة الله تعالى إن قدر الله لنا البقاء.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط