مشهد الدمار المروع اللائق بقوم لوط – عليه السلام- بقلم د.شمس راغب عثمان أستاذ الأدب والنقد بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالجامعة الإسلامية بولاية منيسوتا.الولايات. المتحدة الأمريكية

0 139

قال تعالى:”ولوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين”سورة الأعراف الآية ٨٠, “وما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوهم من قريتكم إنهم أناس يتطهرون فأنجيناه وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين •وأمطرنا عليهم مطرا فانظر كيف كان عاقبة المجرمين “.

تكشف لنا قصة قوم لوط – عليه السلام – عن لون خاص من انحراف الفطرة؛ وعن قضية أخرى غير قضية الألوهية والتوحيد, التي كانت مدار القصص السابق في القرآن الكريم, ولكنها في الواقع ليست بعيدة عن قضية الألوهية والتوحيد.
إن الاعتقاد في الله الواحد يقود إلى الإسلام وسننه وشرعه, وقد شاءت سنة الله أن يخلق البشر ذكراً وأنثى، وأن يجعلهما شقين للنفس الواحدة تتكامل بهما، وأن يتم الامتداد في هذا الجنس عن طريق النسل ؛ وأن يكون النسل من التقاء ذكر وأنثى” يسبق ذلك زواجا شرعياً”.

ومن ثم ركبهما وفق هذه السنة صالحين للالتقاء ، صالحين للنسل عن طريق هذا الالتقاء ، مجهزين عضويا ونفسيا لهذا الالتقاء, وجعل اللذة التي ينالنها عندئذ عميقة، والرغبة في إتيانها أصيلة, وذلك لضمان أن يلتقيا فيحققا مشيئة الله في امتداد الحياة, وعبادة الله الواحد الأحد ، ومن أجل عمارة الأرض.

ثم لتكون هذه الرغبة الأصيلة وتلك اللذة العميقة دافعا في مقابل المتاعب, يلقيانها بعد ذلك في الذرية من حمل ووضع ورضاعة ، ومن نفقة وتربية وكفالة, ثم لتكون كذلك ضمانا لبقائهما ملتصقين في أسرة ، تكفل الأطفال الناشئين ، الذين تطول فترة حضانتهم أكثر من أطفال الحيوان ، ويحتاجون إلى رعاية أطول من الجيل القديم.

هذه هي سنة الله التي يتصل إدراكها, والعمل بمقتضاها بالاعتقاد في الله وحكمته ولطف تدبيره وتقديره, ومن ثم يكون الانحراف عنها متصلا بالانحراف عن العقيدة ، وعن منهج الله للحياة,ومما قاله رسول الله – صلى الله عليه وسلم- في الحديث الشريف, ما رواه أبو ذر الغفاري:”وفي بضع أحدكم صدقة ” أخرجه مسلم .

قالوا : يارسول الله : ” أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ ! قال : أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر؟ قالوا : بلى ، قال : فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له فيها أجر”,أي بيان الشيء بضده ، كما أن الزنا فيه وزر, فالجماع الحلال فيه أجر، يعف نفسه ويعف زوجته فله أجر.

ويبدو أن انحراف الفطرة واضحا في قصة قوم سيدنا لوط – عليه السلام – حتى أن لوطا – عليه السلام – ليجبهم بأنهم بدع من دون خلق الله فيها، وأنهم في هذا الانحراف الشنيع غير مسبوقين ، قال تعالى : ” ولوطا إذ قال لقومه : أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها أحد من العالمين “.

قال تعالى:” فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليها حجارة من سجيل”سورة :هود ٨٢, والمشهد الأخير: مشهد الدمار المروع ، اللائق بقوم لوط – عليه السلام – قال تعالى : ” فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليها حجارة من سجيل منضود مسومة عند ربك وما هي من الظالمين ببعيد “.

فلما جاء موعد تنفيذ الأمر”جعلنا عاليها سافلها ” وهي صورة للتدمير الكامل الذي يقلب كل شيء ويغير الملامح ويمحوها, وهذا القلب وجعل عاليها سافلها أشبه شيء بتلك الفطرة المقلوبة الهابطة المرتكسة من قمة الإنسان إلى درك الحيوان بل أحط من الحيوان، فالحيوان واقف ملتزم عند حدود فطرة الحيوان.

قال تعالى : ” وأمطرنا عليها حجارة من سجيل ” حجارة ملوثة بالطين •• وهي كذلك مناسبة وعلى قدر المقام لهم “منضود ” متراكم بعضها يلاحق بعض، فكما قلبوا فطرة الله وسنته في خلقه ، قلب سبحانه وتعالى قريتهم عليهم وجعل عليها سافلها, فكان الجزاء من جنس العمل, وهذا للعبرة والعظة . قال تعالى : ” لقد كان في. قصصهم عبرة لأولي الألباب ” سورة : يوسف ، من الآية ١١١, تفسير ابن كثيروالقرطبي والطبري .

• قال تعالى : “ومن يكتم الشهادة فإنه آثم قلبه “سورة البقرة من الآية ٢٨٣, وإنما أضاف الإثم إلى القلب ؛ وإن كان في الحقيقة الكاتم هو الآثم ؛ لأن المأثم فيه إنما يتعلق بعقد القلب؛ ولأن كتمان الشهادة إنما هوعقد النية لترك أدائها باللسان ؛ فعقد النية من أفعال القلب ؛ لا نصيب للجوارح فيه.
أنظر تفسير الجلالين .
* ويتكىء التعبير هنا على القلب, فينسب إليه الإثم, تنسيقا بين الإضمار للإثم ، والكتمان للشهادة, فكلاهما عمل يتم في أعماق القلب, ويعقب عليه بتهديد ملفوف, فليس هناك خاف على الله, قال تعالى :” والله بما تعلمون عليم” وهو-سبحانه وتعالى- يجزي عليه بمقتضى علمه الذي يكشف
الإثم الكامن في. القلوب, هذا والله أعلم .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط