“ظواهر شاذة تدق ناقوس الخطر” بقلم د.أسماء الجرف الأستاذ بكلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنات

0 87

في زمنٍ تتسارع فيه المتغيرات, وتضطرب فيه القيم ، وتتكاثر فيه التحديات التي تحيط بأمتنا من كل جانب، برزت إلى السطح ظواهر شاذة, تخترق وجدان المجتمع وتدق ناقوس الخطر، ظواهر لا تمت بصلة إلى الفطرة النقية التي فطرنا الله عليها، بل تلطخها وتشوه براءتها، وتزيد من أعبائنا وهمومنا.
وبين هذه الظواهر الموجعة، تطلّ علينا مأساة الاعتداء على الأطفال، مأساة بحجم أمة، وجرح لا يندمل في قلب الطفولة, وهي أغلى ما نملك، وسر قوتنا ومستقبلنا, تلك الطفولة التي خُلقت بيضاء ناصعة، لا تعرف للشر طريقًا، باتت اليوم فريسةً لذئاب بشرية تتخفى في هيئة بشر، لكن قلوبهم فارغة من الرحمة، وعقولهم مغلقة عن نورالهداية التي نسعى إليها في ظل هذه الظروف الصعبة.

إنّ الاعتداء على الأطفال ليس مجرد جرم عارض، بل هو انحطاط أخلاقي وإنساني يكشف عمق الفجوة في التربية التي نحتاجها أكثر من أي وقت مضى، وخللًا في منظومة الرقابة والوعي والردع التي يجب أن تكون حصنًا لأجيالنا القادمة في وجه كل المخاطرمن هؤلاء الذئاب الذين خانوا الأمانة ممن تجرؤوا على انتهاك أقدس الحرمات.

فما هم إلا دليل حيّ على ما يصنعه ضعف الوازع الديني حين يغيب الحياء الذي هو أساس كل خير، ويُهمل الضمير الذي هو صوت الحق في داخلنا، وتُطمس معاني الإنسانية التي هي جوهر ديننا وقيمنا, قال الله تعالى محذرًا من الفواحش التي تُفسد المجتمعات وتُضعفها: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَىٰ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا} [الإسراء: 32].

فكيف بمن جعل من ضعاف الخلق هدفًا لرغباته المريضة في وقت نحن أحوج ما نكون فيه إلى التراحم والتكاتف؟ وكيف تُرتجى منه توبة أو ندم وهو لم يعرف الرحمة التي هي أساس قوتنا وتماسكنا؟ وقد قال صلى الله عليه وسلم: “من لا يَرحم لا يُرحم” [أخرجه البخاري].

الطفل أمانة، والله سائِلٌ كلَّ راعٍ عن رعيته، كما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم : “كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته” [أخرجه البخاري ومسلم] ، لكن هذه الذئاب البشرية جعلت من الطفولة ميدانًا لظلمها، ووأدت النور في أعين الصغار قبل أن يكتمل إشراقه، في وقت نحن بأمس الحاجة إلى هذا النور ليضيء لنا دروب الخلاص.
إنها خيانة لا تغتفر، لا عند الله الذي هو سندنا ، ولا في ميزان الشرف الذي نسعى للحفاظ عليه، ولا أمام ضميرٍ حيٍّ يجب أن يكون بوصلتنا في هذه الأيام الصعبة.

الحل لا يكون بالصمت الذي يزيد من ضعفنا، ولا التستر الذي يمنح الجناة قوة، بل بالمواجهة الصريحة، بالتربية الواعية التي تُحصن أجيالنا، وبإحياء الخوف من الله في النفوس الذي هو الضمان الحقيقي لأمن مجتمعنا.
فلا الأسرة وحدها قادرة في ظل هذه التحديات، ولا القانون بمفرده كافٍ، بل لا بد من تكاتفٍ يبدأ من البيت الذي هو أساس مجتمعنا، يمر بالمدرسة التي هي منارة علمنا، ويُبنى في المسجد الذي هو روح وحدتنا، ويُكرّس في الإعلام الذي يجب أن يكون صوت الحق، ويُطبّق في المحاكم التي هي ملاذ عدلنا.
علينا أن نربّي أبناءنا على الحياء الذي هو زينة الإيمان، ونُحصّنهم بالإيمان الذي هو قوتنا، ونفتح أعينهم على الحقيقة من غير خوف أو مواربة، ليكونوا جيلًا قويًا قادرًا على مواجهة كل التحديات.
وقد قال تعالى في محكم كتابه: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 19]

إن الأمة التي لا تصون أطفالها لا تستحق مستقبلاً، والمجتمع الذي يُهمل رعاية النشء، كمن يهدم بنيانه بيديه في وقت هو أحوج ما يكون إلى كل لبنة فيه.
فلنكن جميعًا حرّاسًا لنور الطفولة الذي هو نور مستقبلنا، وسدًّا منيعًا أمام كل ذئبٍ يتربّص بها في هذه الظروف الصعبة، ولنُعدّ جيلًا مؤمنًا، نقيًّا، يعرف حق الله وحق الناس، ويخشى الخيانة كما يخشى النار، ليكون عونًا وسندًا لأمته في كل ما يواجهها

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط