د.عصام عبد ربه محمد مشاحيت أستاذ الدعوة والثقافة الإسلامية, يكتب:”معالم التوحيد في الحج”

0 264

 

الحج ركن من أركان الإسلام الخمسة، فهو الركن الخامس من أركان الإسلام، وشعيرة عظيمة يجتمع فيها المسلمون من شتى بقاع الأرض في زمان ومكان واحد، يلبّون نداء الله تعالى، ويؤدون مناسك تعبّدية عظيمة. فهو من العبادات التي تتجلى فيها معاني التوحيد بأوضح صوره، ولا شك أن تحقيق التوحيد الخالص لله عز وجل من أعظم مقاصد الحج، حيث إنه رحلة إيمانية تعزز صلة العبد بربه وتُرسخ في قلبه مبدأ التوحيد الذي هو جوهر العقيدة الإسلامية وأساس قبول الأعمال فالتوحيد هو أساس الدين وأصله.

ولعل أهم هذه المعالم:

أولا: توحيد النية والقصد: فكما هو معلوم أن الحاج يترك أهله وماله ووطنه قاصدا وجه الله عز وجل وحده، خرج لا يطلب مالا ولا رياء، لكنه خرج يُخلص في عمله لله عز وجل، قال تعالى: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ ۚ وَذَٰلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ﴾. البينة: 5.

فلك أن تتخيل أيها القارئ اللبيب اجتماع المسلمون من كل الأعراق واللغات، متجهين إلى مكان واحد ولربٍّ واحد، يلبّون دعوته، ويؤدون شعيرة واحدة بهديٍ موحّد، مما يغرس في النفس وحدة الغاية، وهي رضا الله وتوحيده.

ثانيا: التلبية شعار التوحيد: من أول لحظات الحج يُعلِن الحاج توحيده لله تعالى بالتلبية الخالصة فيعلو صوته: “لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك، لبيك. إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك.” في هذه الكلمات تأكيد على إخلاص العبادة لله وحده، ونفي الشرك عنه سبحانه، وهذا إعلان واضح لتوحيد الله عز وجل في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته، ونفي لكل شريك أو ند، وهذا هو لبّ التوحيد.

ثالثا: نبذ آثار الشرك ومظاهره في المشاعر المقدسة: كان المشركون في الجاهلية يُلبون ويشركون مع الله آلهة أخرى، فجاء الإسلام ليمحوا هذا الباطل، فالحج كما نعلم ارتبط تاريخيًا بمواقف نبي الله إبراهيم عليه السلام، الذي حطّم الأصنام، ودعا إلى عبادة الله وحده. وكل منسك من مناسك الحج يحمل ذكرى من معالم التوحيد التي جددها نبي الله إبراهيم عليه السلام وابنه إسماعيل، ومنها: رمي الجمرات: إحياء لذكرى رجم إبراهيم للشيطان ورفضه غوايته، والطواف بالكعبة: تعظيم لبيت الله الذي جعله مركز التوحيد منذ أن رفع قواعده إبراهيم عليه السلام، والسعي بين الصفا والمروة: تذكير بتوكل هاجر على الله وحده، ويقينها بأنه سبحانه لا يضيع من يتوكل عليه.

 فالحج في الإسلام دعوة خالصة لتوحيد الله عز وجل، وهدم لما بُني على الشرك والبدع.

رابعًا: التجرّد من الدنيا: في الحج، يخلع الحاج ملابسه العادية ويرتدي ملابس الإحرام (إزار ورداء)، في مشهد يُذكّر بكفن الميت، مما يرسّخ في القلب أن الإنسان عبدٌ لله، لا يملك من أمره شيئًا، وأن المآل إلى الله وحده، لا مال ولا نسب ينفع، بل “من أتى الله بقلبٍ سليم” موحِّد خاضع.

خامسًا: الدعاء والوقوف بعرفة: في يوم عرفة، وهو أعظم أيام الحج حيث يُعد الوقوف بعرفة من أعظم أركان الحج، فيقف الحاج خاشعا بين يدي الله، يبسط يديه إلى السماء، يناجي ربّه، يدعوه ويستغفره، ويُقرّ له بالعبودية، في تجلٍّ عظيم للتوحيد والدعاء الخالص. قال رسول الله ﷺ: “خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله، وحده لا شريك له…“.

سادسا: الذبح لله وحده: من معالم التوحيد في الحج أيضا النحر، حيث يذبح المسلم الهدي تقربا إلى الله عز وجل وحده، تطبيقا عمليا لقول الله عز وجل: ﴿قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ الأنعام: 162.

وفي الختام أقول: إن الحج ليس مجرد طواف وسعي ورمي، بل هو رحلة إيمانية تُعمّق في النفس معنى التوحيد، وتربط العبد بربّه، وتذكّره بالحياة والموت، والبعث والحساب.  فمن حج وقلبه عامر بالإيمان، ولسانه ناطق بالتوحيد، وجوارحه خاضعة لأوامر الله فقد خرج من حجه كيوم ولدته أمه ولذلك كان الحج المبرور جزاؤه الجنة، كما قال ﷺ: “الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة.”

نسأل الله أن يرزقنا حجًا مبرورًا، وتوحيدًا خالصًا لا يشوبه شرك، وأن يتقبّل من الحجاج حجّهم، ويكتب لهم الأجر العظيم.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط