الطريق البديل

باب التوبة مفتوح..فمن يحول بينك وبين التوبة-بقلم : د. عصام عبد ربه محمد مشاحيت-عضو الجمعية العلمية السعودية لعلوم العقيدة وعضو الهيئة الاستشارية العليا لمنصة أريد العلمية

The door to repentance is open..whoever prevents you from repentance - Written by: Dr. Essam Abed Rabbo Muhammad Mashait - Member of the Saudi Scientific Society for the Sciences of theology and Member of the Supreme Advisory Board of the Irid Scientific Platform

0 1٬492

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه أجمعين.. أما بعد:

اعلم -رحمني الله وإياك- أن الإنسان خُلِق ضعيفًا وعجولاً، وقُدّرت عليه الذنوب وجُبِل على المعاصي (وليس لأحد أن يحتجّ بالقدر على المعصية مُدَّعيًا أنه معذور فيها طالما كتبت عليه، والمسألة فيها كلام طويل لأهل السنة، خلافًا للقدرية المبتدعة، ليس هذا مجال بسطه، فاحذروا من إغواء الشيطان في ذلك)، قال الله -عز وجل-: {وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا} النساء: 28 ، وقال الله -عز وجل-: {وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولاً} الإسراء: 11.

فالإنسان جُبل على الخطأ، فقد أخرج الإمام مسلم رحمه الله في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يُذنبون فيستغفرون الله فيغفر الله لهم » أخرجه مسلم 2749.

وقد ثبت في الحديث الصحيح الذي أخرجه البخاري ومسلم في صحيحهما عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كُتِب على ابن آدم نصيبه من الزنا مدركٌ ذلك لا محالة، فالعينان زناهما النظر، والأذنان زناهما الاستماع، واللسان زناه الكلام، واليد زناها البطش، والرجل زناها الخُطا، والقلب يهوى ويتمنى، ويُصدِّق ذلك الفرج ويًكذِّبه» أخرجه البخاري، 6212، ومسلم، 2657.

فلما عصى آدم -عليه الصلاة والسلام- عصت ذريته، وجحد فجحدت ذريته لما أخرجه الترمذي في سننه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لمَّا خلق الله آدم مسح ظهره، فسقط من ظهره كل نسمة هو خالقها من ذريته إلى يوم القيامة، وجعل بين عيني كل إنسان منهم وبيصًا من نور، ثم عرضهم على آدم، فقال: أي ربِّ، من هؤلاء؟.

قال: هؤلاء ذريّتُك.

فرأى رجلاً منهم فأعجبه وبيص ما بين عينيه، فقال: أي ربّ، من هذا؟

فقال: هذا رجل من آخر الأمم من ذريتك يقال له: داود.

فقال: رب كم جعلت عمره؟

فقال: ستين سنة؟

قال أي رب, زده من عمري أربعين سنة.

فلما قضي عمر آدم جاءه ملك الموت فقال: أولم يبق من عمري أربعون سنة؟

قال: أو لم تعطها ابنك داود؟

قال: فجحد آدم، فجحدت ذريته، ونسي آدم فنسيت ذريته، وخطىء آدم فخطئت ذريته» الترمذي: (3076) وقال: حديث حسن صحيح، وشاهده عند ابن حبان: (2082)، والحاكم (1/64).

قلت: ولم يكن آدم -عليه السلام- يعرف أنه ملك الموت.

من أجل ذلك فتح الله أمام بني آدم باب التوبة آناء الليل وأطراف النهار، وجعل للتوبة بابًا مفتوحًا لا يُغلق حتى تطلع الشمس من مغربها”.

فباب التوبة مفتوح دائمًا في الليل والنهار، في الشتاء والصيف، فليس على الباب حرس أو حجاب بل هو باب “مفتوح يدخل منه كل من استيقظ ضميره، وأراد العودة والمآب، لا يُصدُّ عنه قاصد، ولا يُغلق في وجه لاجئ، أيّا كان، وأيًّا ما ارتكب من الآثام”.

بشرط أن تكون التوبة قبل طلوع الشمس من مغربها وقبل الغرغرة.

فالله -عز وجل- يفرح بتوبة التائبين، فهو -سبحانه وتعالى- يفرح بتوبة عبده حين يتوب إليه أعظم فرح يُقدَّر، فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي أخرجه الإمامان البخاري ومسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لله أفرح بتوبة العبد من رجل نزل منزلاً وبه مهلكة، ومعه راحلته، عليها طعامه وشرابه، فوضع رأسه فنام نومة، فاستيقظ وقد ذهبت راحلته حتى أشتد عليه الحر والعطش أو ما شاء الله، قال: ارجع إلى مكاني، فرجع فنام نومة، ثم رفع رأسه فإذا راحلته عنده» أخرجه البخاري 6308، ومسلم 2742.

والتوبة واجبة من كل ذنب، وقد دعا الله -عز وجل- جميع العباد إلى التوبة، مع اختلاف معاصيهم وعِظَم جرائمهم في حق الله تعالى دعا إليها المنافقين فقال -عز وجل- : {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ} النساء: 146.

{إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ}. آل عمران: 181. بل دعا إليها من نسب إلى الله -عز وجل- الفقر، الذين قالوا:

وقالوا: {يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا} المائدة: 64.

فقال الله -عز وجل- بعد أن ذكر حالهم: {أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ} المائدة: 74.

ودعا إليها المشركين كافة فقال -عز وجل-: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ} التوبة: 11.

ودعا إليها المسرفين على أنفسهم في المعاصي من أمة النبي صلى الله عليه وسلم ومن غيرهم فقال: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} الزمر: 53.

كما دعا إليها أهل الإيمان وخيار الخليفة فقال-عز وجل- للصحابة بعد إيمانهم وهجرتهم وجهادهم وصبرهم: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} النور: 11.

قال مجاهد: من لم يتب كل صباح ومساء كان من الظالمين، قال الله -عز وجل-: {وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}. (تحفة الواعظ في الخطب والمواعظ لأخينا أحمد فريد 1/94. )

فإياك أن تظن أن أحدًا يحول بينك وبين التوبة، فتأمل وتدبر قول الله عز وجل:

{وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} الفرقان: 68 : 70 .

يقول الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله تعالى في تفسيره: “إلا من تاب عن هذه المعاصي وغيرها، بأن أقلع عنها في الحال، وندم على ما مضى له من فعلها، وعزم عزمًا جازمًا ألاّ يعود، وآمن بالله إيمانًا صحيحًا، يقتضي ترك المعاصي، وفعل الطاعات، وعمِل عملاً صالحًا مما أمر به الشارع، إذا قصد به وجـه الله: {فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ} أي تتبدل أفعالهم، التي كانت مستعدة لعمل السيئات، تتبدل حسنات، فيتبدل شركهم إيمانًا، ومعصيتهم طاعة، وتتبدل نفس السيئات التي عملوها، ثم أحدثوا عن كل ذنب منها توبة، وإنابة، وطاعة، تبدل حسنات كما هو ظاهر الآية.” ا.هـ (تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، للشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي -رحمه الله تعالى- ص635، دار المغني).

وأذكِّرك بما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه من حديث أبي سعيد سعد بن مالك بن سنان الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كان فيمن كان قبلكم رجلٌ قتل تسعة وتسعين نفسًا، فسأل عن أعلم أهل الأرض، فدُلّ على راهب، فأتاه فقال: إنه قتل تسعة وتسعين نفسًا، فهل له من توبة؟ فقال لا، فقتله فكمّل به مائة، ثم سأل عن أعلم أهل الأرض، فدُلّ على رجل عالم، فقال: إنه قتل مائة نفس، فهل له من توبة؟ فقال: نعم، ومن يحول بينه وبين التوبة، انطلق إلى أرض كذا وكذا، فإن بها أناسًا يعبدون الله تعالى، فاعبد الله معهم، ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء، فانطلق حتى إذا نصف الطريق أتاه ملك الموت، فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب.

فقالت ملائكة العذاب: إنه لم يعمل خيرًا قط. فأتاهم ملك في صورة آدمي فجعلوه بينهم -أي حكمًا- فقال: قيسوا ما بين الأرضين، فإلى أيتها كان أدنى فهو له، فقاسوا فوجدوه أدنى إلى الأرض التي أراد، فقبضته ملائكة الرحمة». متفق عليه.

اخو تاه, هذا رجلٌ قتل مائة نفس وتاب الله عليه، فلِمَ اليأس والقنوط من رحمة الله؟.

وها أنا الآن وكأني أسمع صرخات صوتك قائلا: أريد أن أتوب.. أريد العودة إلى الله.. فكيف؟.

فاعلم -رحمني الله وإياك- إن أردت التوبة إلى الله عز وجل فابدأها بالندم والعزم على عدم العودة إلى الذنوب مرة أخرى، خوفًا من الله سبحانه وتعالى، ثم فعل الحسنات المختلفة والطاعات التي أمر الله بها في كتابه القرآن الكريم، وما أمرك به رسوله صلى الله عليه وسلم في سنته الصحيحة.

واعلم أن هناك صلاة تُسمى صلاة التوبة، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أبي بكر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما من رجل يُذنب ذنبًا ثم يقوم فيتطهر ثم يصلي ركعتين، ثم يستغفر الله إلا غفر الله له» ثم قرأ هذه الآية: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} (آل عمران: 135).

وثبت عنه صلى الله عليه وسلم من حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إني وجدت امرأة في بستان ففعلتُ بها كل شيء غير أني لم أجامعها، قبّلتها ولزمتها، ولم أفعل غير ذلك، فافعل بي ما شئت. فلم يقل الرسول صلى الله عليه وسلم شيئًا فذهب الرجل. فقال عمر: لقد ستر الله عليه لو ستر نفسه، فأتبعه رسول الله صلى الله عليه وسلم بصره، ثم قال: «ردُّوه عليّ» فردوه عليه فقرأ عليه : {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} فقال معاذ -رضي الله عنه- وفي رواية عمر رضي الله عنه: يا رسول الله، أَلهُ أم للناس كافة؟ فقال: «بل للناس كافة». أخرجه مسلم في صحيحه .

وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن مثل الذي يعمل السيئات ثم يعمل الحسنات كمثل رجل كانت عليه درع ضيقة، ثم عمل حسنة فانفكت حلقة، ثم عمل أخرى فانفكت الأخرى حتى يخرج إلى الأرض». صحيح الجامع (2192).

فباب التوبة مفتوح ، فمن يحول بينك وبين التوبة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.